وحدة 77 المشؤومة: دفنت في مرحلتها الانتقالية إلى الأبد فلا داعي للتباكي عليها
الأحد – 06 يوليو 2025
شبكة المهرة الاخبارية – د. أمين العلياني
لم تكد تلفظ الوحدةُ أنفاسَها الأولى حتى انقضَّ عليها غزاةُ الغدر من قوى الشمال بمختلف توجهاتهم الإيديولوجية والشيعية والإخوانية والمؤتمرية والقبلية، فخنقوها في مهدها، وسرقوا منها حلمَ شعبٍ جنوبي آمن في وجودها من أنها نقطة تحول نحو الخلاص ضد التخلف وهيمنة القبيلة والفساد والجهل وتردي التعليم والصحة وغيرها وظلَّ منذ قرونٍ يتوق إلى تلك اللحظة التي يُمسك فيها آملًا أن ينقذ شعب الشمال من براثن الهمجية وال والتخالف والظلم والجهل. لقد كانت الوحدة بين الشمال والجنوب مشروعًاسًا وُلد من رحم المعاناة، ومن دماء التضحيات، ومن صرخات الأجداد الذين حلموا بيومٍ يُدفن فيه الانقسام، ويُبنى فيه مجدٌ جديد على أسسٍ من العدل والمساواة. لكنَّ يدَ الخيانة كانت أسرع من يد البناء، فما إن اكتملت ملامح الدولة حتى تحوَّلت إلى جثةٍ يُنهش لحمُها، ويُسرق خيرُها، ويُباد أبناؤها.
لقد كشفت الأيامُ أنَّ الوحدة في عيون غزاة السمار لم تكن سوى غطاءٍ لنهب الثروات، وتدمير البنى التحتية، وتعطيل مؤسسات الدولة، وتمزيق النسيج الاجتماعي. فما كان يُرفع شعارُه “توحيداً للأرض والإرادة” تحوَّل إلى أداةٍ لتفريغ الأرض من أهلها، وتغيير ديموغرافيتها، وتركيع كوادرها، وإهدار كرامتها. لقد استُبيحت المصانعُ والمعاملُ، فتُركتْ أطلالاً تئنُّ تحت وطأة الإهمال، بينما تحوَّلت منشآت التعليم والصحة إلى خرائبَ تزداد يوماً بعد يومٍ انهياراً، وكأنَّها ضريحٌ يُخلَّد فيه فشلُ مشروعٍ كان يُفترض أن يكونَ نوراً يُضيء مستقبل الأجيال.
أما الخدماتُ الأساسية، من ماءٍ وكهرباءٍ وطرقٍ، فقد صارت أمنياتٍ بعيدة المنال، يعيش الناسُ في ظلِّ غيابها كأنَّهم يعبرون صحراءَ القهر بلا زادٍ ولا دليل. لقد تحوَّلت الوحدةُ من حلمٍ يُرتقى به إلى السماء إلى كابوسٍ يُسحلُ فيه الناسُ على الأرض. واليوم، بعد أن انكشفت الأوراق، لم يعد هناك مجالٌ للغموض: لقد كانت الوحدةُ مغدورةً منذ البداية، لأنَّها وُلدت في زمنٍ لا تراعي حق الشراكة ولا ترحم حقوق المواطنة، بين أيدٍ لا تعرف معنى الإخلاص، ولا تفقه قيمةَ العهد.
والسؤال الذي يظلُّ يُطرقُ جدارَ الضمير العالمي: هل كان هذا مصيرَ كلِّ مشروعٍ تحرُّري في المنطقة؟ أن يُختزلَ في الدم والدمار، وأن يُسلَبَ منه جوهرُه، ويُتركَ شعبُه يعيشُ على فتات الذكريات؟ الوحدةُ التي كان يُفترض أن تكونَ جسراً إلى المستقبل صارت جسراً إلى الاحتللال والافساد والتفتيش والقضاء، وحلمَ الأمسِ الذي تحوَّل إلى كابوس اليوم. فهل من صحوةٍ تُعيد الاعتبار لهذا الحلم المغدور، أم أنَّ التاريخ سيسجِّلُ أنَّ الوحدةَ كانت آخرَ ضحايا أطماعِ المستبدين من قبل قوى الشمال المختلفة.