في وطنٍ تتآكل أركانه، وتنهار مؤسساته تحت وطأة الفساد الإداري والمحسوبية، لم يعد هدر المال العام حالةً شاذة، بل أصبح “القاعدة”، في غياب تام لأدوات الرقابة والمساءلة، كل ذلك يحدث في بلد متوقفة فيه عجلة الإنتاج، ويعيش اقتصاده على أجهزة الإنعاش، بينما الدخل ثابت أو متآكل، والأسعار تتسابق نحو الأعلى بفعل التضخم المنفلت من كل قيد.
وفي قلب هذه المعادلة المختلة، يقف المواطن (خصوصاً محدودي الدخل) في مواجهة قاسية مع ظروف معيشية تفوق طاقته، كيف لإنسان دخله لا يتجاوز 28 دولارًا شهريًا – بل وأقل في كثير من الأحيان – أن يؤمّن أبسط احتياجات أسرته؟! فقد بلغ متوسط الدخل السنوي للفرد حوالي 336 دولارًا فقط، رقم لا يقترب حتى من خط الفقر، ناهيك عن خط الكرامة، وهذه الأرقام تستطيع الحصول عليها من واقع الحياة، حيث لا توجد إحصائيات حقيقية لإحتساب متوسط دخل الفرد بسبب مايمر به الاقتصاد.
وهنا تطفو على السطح مفاهيم اقتصادية باتت أكثر واقعية من أي وقت مضى، كمفهوم (حد الكفاية)، والذي يعبّر عن الدخل الذي يضمن للإنسان حياة كريمة مستقرة، دون أن يضطر لمدّ يده طلبًا للمساعدة، (وحد الكفاف)، وهو الحد الأدنى الذي يوفّر البقاء فقط، من مأكل ومشرب وملبس، دون أدنى درجات الرفاه أو الاستقرار.
والسؤال المؤلم: أين نحن من هذين الحدّين؟؟ هل ما زلنا نعيش في دائرة “الكفاية”؟ أم أننا نسقط واحدًا تلو الآخر إلى قاع “الكفاف”؟!